حين لقاء: By Taher Hamouda
"حين لقاء"
تقول الأسطورة اليونانية أن البشر في بداية الخلق لم يكونوا مُنقسمين إلى ذكر وأنثى، ولأنهم كانوا بالغي القوة، فقد تحدوا الآلهة. لهذا قرر زيوس أن يصيبهم بالضعف، فقسم كل واحد منهم إلى جزئين (رجل وامرأة)، ومن ذلك الحين واصل كل جزء منهما البحث عن شريكه أو نصفه الآخر كي يكتمل. الفنان طاهر حمودة يعيد هنا صوغ هذه العلاقة بين الطرفين مدفوعاً بشعوره ورؤيته لهذه الأسطورة. غير أن هذه العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة تبدو على نحو ما انعكاساً للمعادلة الكونية الأكبر؛ هذه المعادلة التي يتشاطر عناصرها دائماً طرفان مُتقابلان، فهنا الأرض والسماء، والشمس والقمر، والبحر واليابسة، والمادة ونقيضها.. كأن توازن الكون واكتماله مرهوناً دائماً بحضور طرفين متقابلين ومُتمايزين كي يكمل كل منهما الآخر.
في هذا المعرض يتخذ الفنان من هذه الرؤية دافعاً للبناء البصري، فهو هنا يعتمد على طرفي الحضور الإنساني ليُحلق نحو رؤية أكثر شمولاً. ولعل هذه الطبيعة الصرحية المقصودة التي يتسم بها أسلوبه في تشكيل عناصره تؤكد على هذا المنحى. هنا تُختزل العناصر في جسدين مهيبين، يتخذان من مركز اللوحة بداية لطوافهما في أرجاء المساحة، وهما مصحوبين دائماً بغلالة من الجلال تحيط بالمشهد. في هذه الأعمال يختزل الفنان الوجود بأكمله في جسدي الرجل والمرأة كما يختزل مفرداته وتأثيراته اللونية إلى حدها الأقصى، مُحتفظاً بهذا البناء الشامخ للعناصر في لوحاته، وهو بناء راسخ وممتد وسط فراغ لا نهائي. هي تكوينات صرحية ومستقرة، تستعير من النحت ثقل الكتلة ورسوخها ومن التصوير رهافة اللون وشفافيته.
تتأكد الأجواء الليلية في أعمال الفنان طاهر حمودة بوجود القمر وضوئه الفضي المخيم على كافة التفاصيل، فهو حاضر على نحو مباشر كدائرة مضيئة مُعلقة في فراغ اللوحة. تتحرك دائرة القمر بين عدد قليل من المفردات الأخرى التي يوظفها الفنان لضبط التوازن البصري للتكوين، غير أن حضوره لا يقتصر فقط على ضبط الإيقاع البصري للتكوين الرئيسي، فالقمر هنا مصدر للضوء ومسوغاً كذلك للأجواء الليلية المسيطرة على المشهد، وهو باعث صريح ومقبول لهذا التوظيف اللافت لدرجات اللون المُشرقة والصافية. يمكننا القول أن القمر يخيم بظلاله على كافة العناصر بحضوره المباشر أو غير المباشر أحياناً.
الفنان طاهر حمودة يستهل بهذا المعرض مرحلة جديدة من ممارسته التصويرية الشابة، هذه الممارسة التصويرية التي تتشكل معالمها مع الوقت في تمهل لافت. تمثل الأعمال المعروضة هنا جانباً من تأملاته الشخصية المدفوعة بالرغبة في الاكتشاف. في هذه الأعمال يعيد الفنان طرح عناصر سابقة، مضيفاً إليها أو منحياً لبعضها، ومحتفظاً في الوقت نفسه بهذه الأجواء الحالمة والأسطورية التي ميزت أعماله.