The hunger - الجوع: by Taha El Korany
يمثل عرض العمل الكبير والأحدث للفنان طه القرني إلى جانب نماذج من أعماله السابقة فرصة لتلمس ملامح هذه التجربة التصويرية، التي يمكن أن نصفها دون أن نكون مبالغين حقاً بالاستثنائية، فهي تجربة متفردة في ملامحها بلا شك، ليس لنزوعها نحو المساحات الكبيرة فقط، بل لقدرة صاحبها الفائقة في توظيف مهاراته في الرسم والاستيعاب المتقن للقواعد المدرسية في تصوير الجسم البشري والوجوه ضمن إطار جامع وذو دلالة، ناهيك عن هذه التحولات الأسلوبية في صوغ العناصر التي تخللت تجربته منذ حضوره اللافت على الساحة الفنية في مصر وحتى اليوم.
مشهد بانورامي لحشد كبير من البشر تبدو عليهم علامات الجوع، رُسم المشهد بمنظور عين الطائر ويمتد عرضاً إلى عشرة أمتار وارتفاع مترين. في هذا المشهد البائس تتحلق كل مجموعة من هؤلاء التُعساء حول إناء للطعام، كما يتطلعون جميعاً إلى أعلى. يُذكرنا المشهد بصور المجاعات والجفاف في أفريقيا التي أصابت العديد من المناطق جنوب الصحراء الكبرى، خاصة خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات. الصور التي كانت تتلقفها وسائل الإعلام الدولية حينئذ كانت في غاية القسوة ومؤلمة للضمير الإنساني. قد لا ينتمي المشهد في لوحة الفنان طه القرني لأفريقيا بالضرورة، إذ صارت مشاهد البؤس ماثلة أمامنا اليوم في أماكن كثيرة من العالم، نتيجة للحروب والصراعات والأزمات الاقتصادية، وغيرها من المحن الأخرى المحيطة بالإنسانية. أمام كل هذه التحديات التي تحيق بنا تقفز إلى الأذهان لأول مرة تساؤلات متعلقة بمصيرنا المشترك، وتتراجع الاختلافات والفروق فيما بيننا لصالح أطروحات أخرى متعلقة بالإنسانية، طالما كانت تتردد سابقاً على نحو خافت، لكنها اليوم صارت أكثر وضوحاً وقوة، فنحن بلا شك على مشارف مرحلة مصيرية من تاريخنا البشري.